كلام في الحب



الحب ماهيته وكنهه
حاولت أنْ أقفُ على وصفٍ دقيقٍ لمعنى الحبِّ، ومعرفة ماهيته ولكنَّ الأمر بات صعب المنال، والقطع بحقيقته ضرب من المُحال فهو كما قال عنه الإمام ابن حزم: "دقتْ معانيه لجلالتها عن أن تُوصف، فلا تُدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس الأمر بمُنكرٍ في الديانة، ولا بمحظورٍ في الشريعة، إذ القلوب بيدِ اللهِ –عز وجل-".

ولعل أصعب ما في الأمر أنَّ الحب شيء معنوي تجيش به النفس، وتقصرُ معاني اللغة عن تحديده، وجُلَّ ما تغنَّي به الشعراءُ هو أعراضُ ومظاهرُ ونتائج هذا الشعور، من شوقٍ للمحبوبة، أو وصف لها، أو وصف لحالِ المحب، وما صنع به الهوى، وما في نفسه من نار الجوى، وروعة اللقاءِ والوصالِ، ولوعة الفراقِ وتقطع الأوصالِ.

الحب في اللغة:
وبالنظر في معاجم اللغة في مادة "حَبَّ" نجد العديد من المعاني غير معنى الودِّ وميل النفس، وهذه المعاني وإن كانت العرب تستخدمها في غير هذا المعنى إلا أنها قد تحمل إلينا بعض الإشارات الخفية التي تُقَرِّبُ لنا معنى هذه الكلمة إيمانًا مني بأنَّ هذه اللغة تحمل من الإحكام الدلالي مبلغًا إعجازيًا، وقدرة فذة لا تباريها أي لغة أخرى في اتساق دلالتها وترابطها ترابطًا عجيبًا، ولم لا وهي لغة القرآن ولغة أهل الجنة؟!

فنجد في "الصحاح" في مادة "حَبَّ" قولهم: "تَحَبَّبَ الحمار"، إذا امتلأ من الماء، و"شربت الإبل حتى حبَّبَتْ"، أي تملَّأت ريًّا، والماء هو سرُّ الحياة، قال تعالى: ((وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)) فكأنَّ الحبَّ هو سرُّ الحياة، الذي إذا خالط القلوب دبت فيها الحياة، وهو شعورٌ غامر يغمر القلب و يملأ سويداءَهُ ريًّا.

ونجد في "تاج العروس" و"لسان العرب" في نفس المادة "الإِحبَاب" البُرُوك، والإحباب في الإبل كالحِرَان في الخيل، يُقال: بعيرٌ مُحِبّ، وقد أحبَّ البعير إِحْبَابًا، وهو أن يصيبه مرضٌ أو كسرٌ فلا يبرح من مكانه حتى يبرأ أو يموت.

وفيه إشارة إلى أن الحبَّ داء القلوب الذي يجثوا عليها، ويمتلك زمامها؛ فالمحب كالعليل الذي لا يبرح محبوبه فهو دواؤه أو الموت دونه، وكَثُر في الشعر تشبيه الحب بالداء أو وصفه بذلك في مثل قول الشاعر:

فوالله ما أدري وإني لصادقٌ أداء عراني من حُبابِكِ أم سِحْرُ

وجاء في "تاج العروس من جوهر القاموس": "الحَّبَة": الحاجة، فالحُبُّ حاجة الفؤاد ومنتهى أمله، وقلب غير المُحِبِّ قلبٌ يفتقد كماله، ويستشعر الحاجة والفاقة لإكمال هذا النقص، لذا نجد العرب تقول "حَبَّةُ القلب" سويداؤه، والحبَّة من الشيء: القطعة منه.

تعريف الحب:
والمختار عندي في تعريف الحب هو: "شعور سامٍ يملأ خلجات القلب وتتشربه سويداؤه ناتج عن ميل نفس المحب إلى نفس محبوبه؛ لعلةٍ وسببٍ، وهي أن نفس المحب ومحبوبه بينهما اتصال في أصل الخليقة، وتشابه في جوهرها وأصل عنصرها الرفيع"؛ فالأرواح جنود مجندة فما تشابه منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، كما قال المعصوم –صلى الله عليه وسلم- من حديث عائشة الذي رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لهذا الحديث عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "الأرواح جنود مجندة تلتقي تتشاءم كما تتشاءم الخيل، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، ولو أن مؤمنًا دخل مسجدًا فيه مائة ليس فيهم إلا مؤمن واحد لجاء حتى يجلس إليه، ولو أن منافقًا دخل مسجدًا فيه مائة ليس فيهم إلا منافق واحد لجاء حتى يجلس إليه" قال طرفة بن العبد:
تعارف أرواح الرجال إذا التقوا فمنهم عدو يُتَّقى وخليلُ
قال ابن داود الأصفهاني في كتابه الزهرة:
"وزعم بعض المتفلسفين أن الله -جلَّ ثناؤه- خلق كل روح مدورة الشكل على هيئة الكرة، ثم قطعها أيضًا –أي نصفًا- فجعل في كل جسد نصفًا، وكل جسد لقي الجسد الذي فيه النصف الذي قُطِعَ من النصف الذي معه كان بينهما عشق؛ للمناسبة القديمة، وتتفاوت أحوال الناس في ذلك على حسب رقة طبائعهم.." وقد قال جميل في ذلك:
تعلَّق روحي روحها قبل خلقنا ومِنْ بعد ما كُنَّا نِطَافًا وفي المهدِ
فزاد كما زدنا فأصبحَ ناميًا وليس إذا مِتنا بمنقضِ العَهْدِ
ولكنَّه باقٍ على كلِّ حالةٍ وزائرُنَا في ظُلمةِ القبرِ واللَّحْدِ

وبالرغم من سذاجة قول هذا المتفلسف إلا أنه فيه قليل من الحقِّ، وهو أن نفوس الخلق مخلوقة من نفس واحدة، هي أصل الخلقة، كما قال تعالى في أول سورة النساء: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً))

4 تعليقك:

جميل تخيلت لاول هله ان الموضوع هيكون مجرد كلمات منثوره عن العشق
بس عجبتنى الحقيقه جدا
تحياتى لك يا استاذ اللغه العربيه
:))

٣ فبراير ٢٠٠٨ في ٧:٠٤ ص  

يا أستاذ
انت كاتب المقال كله باللون الاصفر ؟؟؟
:)

ما أجمل الحب كلمة ومعنى وإحساسا..
إلا أن الجهال قد لوثوا هذا المعنى الجميل حينما أصبحت كل علاقة بين ولد وبنت في جامعة حب
او واحد وجارته يسموها حب
او زنا...يسموه حبا ...وهكذا ...
ونسوا الحب العفيف الطاهر الذي أحله الله....

احم احم..
ما علينا...

٥ فبراير ٢٠٠٨ في ١١:٢٥ ص  

اشمعنى الحب يعني حيبقاله ملف لوحده .. وكل ده تشكيل أعانك الله
وبعدين كنت بادي كويس قلبت على المعجم والحمار ارتوى يا راجل اتق الله الحب الحمار ارتوى :)))
تفتكر الأرواح تعارفت قبل الزمان والخليقة ؟
الحب هو التحام في الروح والبعد عنه كخروج الروح بعده تتواجد في الحياة ولكن بلا عيش بلا روح

١٠ فبراير ٢٠٠٨ في ٣:٣٥ ص  

l.g
*******
الحب ليه ملف لوحده؟!
تصدقي زعلت منك
الحب يستاهل اكثرمن ملف
عندي فيه مجلدات مش فاضي اكتبها للأسف
احنا عيشين ليه؟
عشان نحب
الحب هو سر وجود الإنسان على هذه الأرض وسر بقاؤه
لما ربنا خلق آدم يا ترى الملائكة اعترضت وقالت إيه؟؟؟؟
قالت: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء
ورد عليهم ربنا وقال: إني أعلم ما لا تعلمون
ربنا عارف طبيعة البشر وإنهم هيبقوا شعوب وقبائل و هتتكون بينهم مشاعر وأحاسيس ومش هيحصل اللي تنبأبيه الملائكة
وكل المشاكل والحروب اللي عايش فيها البشر الآن سببها غلبة المادية وغياب أسمى ما يتصف بيه البشر من مشاعر وأحاسيس
الحب يا أستاذتي قيمة إنسانية ليها عدة صور حب الزوجة حب الأبن حب البنت حب الأم حب الوطن حب الصديق.....
وربنا جعل الصور دي في حيتنا نعيشها ونجربها عشان نتعرف على الأصل مش الصورة
الأصل هو حب الله
ربنا جعل هذه الصور الفطرية من الحب عشان نقدر نفهم معنى حب الله اللي ليه المثل الأعلى
زي الجنة فيها أنهار من لبن وعسل
وفيها زيتون ورمان و.....
يا ترى هي اللي موجوة في الدنيا؟؟؟
بالطبع لأ
ربنا خلق صور هذه الأشياء كشبه ضعيف للموجودة بالجنة عشان نشفها ونتذوقها عشان لما يخبرنا عن مثيلها اللي ليه المثل الأعلى نقدر نفهم قصد ربنا
دمت بكل خير
وشرفتي مدونتي اللي أنا هاملها عشان مشغول شوية
شكرًا ليكي

١٥ فبراير ٢٠٠٨ في ١١:٣٠ م  

رسالة أقدم الصفحة الرئيسية