(3)


قبل أن أعمل في التدريس كانت لي وقفات مع قول الله تعالى (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)

كانت وقفات وتساؤلات تدور في عقلي كيف بنبي الله موسى وهو نبي من أولي العزم من الرسل أن يُلقي الألواح التي بها كلام الله؟! وكيف يتعدى على نبي الله هارون؛ فيأخذ برأسه ويجذبه من شعره؟! وأي قدر من الاستفزاز ناله نبي الله موسى؛ ليخرجه غضبُهُ إلى هذه الحالة التي صوَّرها القرآن، ألهذا الحد يُخْرِجُ الغضبُ الإنسانَ عن عقلِهِ؟! ولماذا لم يحاول نبي الله هارون بأي تصرف يذود به عن كرامته كنبي من أنبياء الله أهينت كرامته أمام قومه؟! بل اكتفى فقط بتوضيح موقفه وما دفعه لفعل الخطأ!!

كانت هذه التساؤلات تساؤلات المتأمل في الموقف لأخذ الحكمة والعبرة من الآيات، وليست تساؤلات الشاك -معاذ الله- في كلام الله وآياته البينات.

لكن بعد عملي كمدرس استطعت أن أدرك وبمنتهى الوضوح كيف يتحكم الغضب بالإنسان، بل وإلى أي حد قد يصل الغاضب، قد يصل إلى فقدان العقل وعدم السيطرة عليه، وأدركت حكمة الشرع في جعل طلاق المغضب لا يقع، ولكي تتأكد من تصوري هذا لك أن تفهم ذلك في ضوء هذا الموقف....

(كنت في حصة التربية الإسلامية للصف الثاني الثانوي، وكنت أعلم مدى حرص الطلاب على مادة التربية الإسلامية التي لا يفتحون كتابها إلا ليلة الامتحان الخاص بهذه المادة!! وبينما كنت اشرح لهم تفسير بعض الآيات القرآنية، إذ بهارون (طالب) يشوش على الشرح، وكأننا في حصة ترفيهية، فنبهته مرة وأخرى وثالثة، وعندما بلغ مني الغضب مبلغه هددته بالطرد من حصتي، وأن هذا التشويش إن كان لا يجوز في الحصص الأخرى؛ فإنه من باب أولى في حصة الدين وذكرته بقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) وأن هذا التشويش يدخل في دائرة التقديم بين يدي الله، ولكن لا حياة لمن تنادي، فثارت ثورتي لنفسي ولدين الله الذي ما عاد يُحترم –على الأقل- في مدارس المسلمين.

فقلت له: أخرج إلى خارج الفصل!!

فنظر يمنة ويسرة لأصدقائه مستخفًا بي، وكأنَّ لسان حاله: كيف تَجَرَّأ هذا لطردي؟

لم اتمالك نفسي من الغضب إلا وأنا أجرُّ الفتى إلى خارج الفصل بصورة مهينة.

وهنا تذكرت قصة موسى وهارون تلك وتفهمت كل إجابات تساؤلاتي.

وعندما حضر ولي الأمر لكي يستفسر عما حدث، شرحت له الموقف، وكان أبلغ رد مني:

يا سيدي لست في حلم موسى وليس ولدك في أدب هارون!!!!!

6 تعليقك:

يعني تمرمط الولا وتمسح به البلاط اما التلاميذ وتلكم ابوه وتعمله ارهاب فكري فيعجز المسكين عن الرد وتضيع عليه فرصة تقطيع ملابسك او جرك الي الكراكون....
ثم انت في النهاية ورغم ما مر ذكره تتحسر علي حالك وتقول: انك لست في حلم موسي..."!!
(:

١٩ نوفمبر ٢٠٠٧ في ٣:١٩ م  

على فكرة الأمر والله لم يمر بالسهولة التي تتخيلها، فقد كان ولي الأمر مصرًا على أن اعتذر له أمام زملائه الطلاب الذين شاهدوه وأنا بامسح بيه البلاط على حد قولك، بس ده طبعًا في المشمش......

١٩ نوفمبر ٢٠٠٧ في ٣:٢٨ م  

القوي من ملك نفسه عند الغضب شكلك مدرس جديد معلش حتتعود وبعد كده حتطرده من أول مرة وتريح دماغك من غير ما تمسح بيه الأرض . عندي صديقة مدرسة عانت في أول سنتين وبعدين اتعودت
بالنسبة لسيدنا موسى على حد علمي كان قوي الجسد جداً وسيدنا هارون هادئ عشان كده كانا معا ليعضدا بعضهما / عارف الراجل القوي قوي اللي جه في التليفزيون وواخد شهادة انه ميشتغلش ولا يروح الجيش عشان لو غضب ممكن يكسر الدنيا .. يعني سيدنا موسى بذلك تحكم في غضبه وبشدة وقيل أخذ ولم يقل عز وجل دفع أو جذب أو شد بل الكلمة أخف كثيرا في القوة والمعنى أنه قربه اليه والله أعلى وأعلم

٢٠ نوفمبر ٢٠٠٧ في ٣:٤٣ م  

أخي المدرس المطحون أرحب بك في عالم التوين والمدونين
هحكيلك قصه حقيقيه مش خياليه
والدتي مدرسه من أعظم المدرسين في أرض مصر المحروسه بأخلاقها وعلمها مش لأنها أمي ولكن الحق يقال
مرت بمثل مامررت به ولكن أعنف

بنت مسؤووول كبير كانت من ضمن الشله الفسدانه في الفصل
واضطروا أمي انها تخرج عن شعورها وتطردهم من الفصل بسوء تصرفاتهم
تاني يوم تفاجأت أمي بمكالمه هاتفيه من الموجه يطلب منها تسيب الفصل لمدرس تاني
لأنهاطبعا أهانت بنت المسؤووول
وطبعا والدتي رفضت
وثارت لكرامتها

تخيل ان الموجه وصل تهديد الراجل لأمي انها لو ماسابتش الفصل ممكن الموضوع يتطور ليشمل تلفيق التهم و المساس بسمعتها وتجريح أولادها
وان الراجل مش هيسكت

انا كنت مع أمي في المدرسه "ثانويه عامه" وكانت أول مره أمي تدرسلي في نفس الفصل
وانا كنت في بمنتهى السعاده


المشكله انتهت بسلام
أكيد فهمت
أمي سابت الفصل وحزنت حزنا شديدا وكادت تموت من الحزن
وأنا كرهت الفتاه وابوها كرها شديدا وكرهت حالة الضعف وقلة الحيله
أصبت بخيبة أمل وفقدان الثقه بالجميع

لكن أمي برساخة عقلها احتوتني
لكن صدقني عمري ما نسيت الموقف ده

وأكيد مش هنساه

التربيه أهم من التعليم
أكيد البنت اتعلمت ولكن الأهم انها تفتقر الى التربيه

تحياتي اليك ولكل من يمتهن هذه المهنه العظيمه جزاكم الله عنا كل الخير

٢١ نوفمبر ٢٠٠٧ في ٧:٣٠ م  

MiraMar
############
أختي لفاضلة
بداية أرحب بك في مدونتي المتواضعة وأكن لك جزيل الأمتنان لحسن متابعتك، وأسأل الله أن ينفع بك، ولا تحريمينا من التعليقات القيمة، نعم التدريس مهنة البحث عن المتعب خاصة في هذا العصر المليء بالتحديات والسلبيات
حيث انهيار منظومة القيم التي تحكم المجتمع، وغياب المفاهيم التي أرستها قيمنا الإسلامية، عزائي من تجربتي،أني استطعت أن اترك بصمات في بعض طلابي ما زلت أرى ثمارها إلى اليوم....ـ

٢١ نوفمبر ٢٠٠٧ في ٧:٣٩ م  

بداية اسلوبك سلس وممتع وشيق ...

وبالفعل قد يسبب موقف ما خروج الانسان عن طوره خصوصا اذا كانت الفعل المواجه في نوع من الغرور والعنتريه والاستهترار بكرامتك...

دمت بكل ود..
خالص تحياتي

٢٨ نوفمبر ٢٠٠٧ في ١١:٠٣ ص  

رسالة أحدث رسالة أقدم الصفحة الرئيسية